حمل الكتاب الإلكتروني المجاني الخاص بك
تُعتبر تجربة مينيسوتا للتجويع (Minnesota Starvation Experiment) واحدة من أهم الدراسات التي أجريت في القرن العشرين لفهم آثار الحرمان الغذائي على الإنسان. أُجريت بين عامي 1944 و1945 على يد العالم أنسل كيز وفريقه، ولا تزال نتائجها حتى اليوم مرجعًا أساسيًا لفهم آثار الجوع القسري واضطرابات الأكل.
بينما يشهد العالم اليوم على واقع الصور المؤلمة القادمة من غزة، حيث يواجه المدنيون حصارا خانقا ونقص حاد في الطعام تحت وطأة الاحتلال، يتجدد النقاش حول آثار الجوع الجسدية، النفسية، والسلوكية.حيث أن التجويع القسري لا يهدد الحياة بالمرض والهزال فحسب، بل يترك ندوبا نفسية عميقة لمن يستطيع النجاة منه.
ولفهم تداعياته بشكل علمي، سأعيد استحضار تجربة فريدة ومؤلمة قدمها لنا التاريخ منذ أكثر من ثمانية عقود وهي “تجربة تجويع مينيسوتا” التي أجريت خلال الحرب العالمية الثانية التي درست آثار الحرمان الغذائي على متطوعين أصحاء لتكشف لنا كيف ينهش التجويع الجسد والنفس معا، وهي نفس الآثار التي نشهدها اليوم في غزة (لكن بشدة أكبر)، كما نراها أيضاً في عيادات اضطرابات الطعام ولكن في سياق مختلف.
أُجريت تجربة مينيسوتا للتجويع بين عامي 1944 و1945، بعدما خلقت الحرب العالمية الثانية ظروفًا جعلت ملايين البشر في أوروبا وآسيا يواجهون مجاعة شديدة بعد انتهاء الحرب، شمل ذلك أجزاءً كبيرة من أوروبا – الاتحاد السوفيتي، وبولندا، والنمسا، وهولندا ثم الهند والصين، وفيتنام، وإندونيسيا. كان الهدف من التجربة هو معرفة المزيد عن كيفية تفاعل الجسم مع المجاعة لإيجاد حل ل “شبه التجويع” وكذلك للتجويع الذي كان قائمًا بالفعل.
الباحث الرئيسي بالتجربة:
الباحث الرئيسي كان العالم الأنثروبولوجي والعالم البيولوجي أنسل كيز، بالتعاون مع خبير علم النفس جوزيف بروزيك، وبتمويل ودعم من وزارة الحرب الأمريكية. برز كيز بابتكاره نظام الحصص الغذائية (K-ration) للجيش في الحرب العالمية الثانية لتزويدهم ب 3200 سعرة حرارية في علبة وزنها 790 غم فقط. واصل كيز دراسة أمراض القلب والكوليسترول، وكان بحثه هو أول من ربط بين الدهون المشبعة وأمراض القلب، ولا يزال هذا الأمر محل جدل حتى اليوم بين الكثيرين في الأوساط الصحية.
لكن كيز أراد المضي أبعد من ذلك، ليقوم بتجربة تقدم نظرة ثاقبة حول كيفية تأثير التجويع (أو في حالة هذه التجربة، شبه التجويع) على “الدافع، ثم العواقب السلوكية للتغيرات الجسدية، وأخيرًا التغيرات العاطفية والفكرية والاجتماعية التي تؤثر بشكل عميق على الشخصية” لتصبح بعد ذلك تجربة محرمة واحد أكثر التجارب إثارة للجدل في الوسط العلمي.
شارك في التجربة 36 رجلا من المعارضين العسكريين (Controlled Rehabilitation) الذين اختاروا الخدمة المدنية وامتنعوا عن الخدمة العسكرية خلال الحرب. كان جميع المشاركين الـ 36 من الذكور البيض، وتراوحت أعمارهم بين 22-33 عامًا بلغ متوسط وزنهم 69 كغم، وكان أعلاهم 83 كغم، وأخفهم 62 كغم، وكانت نسبة الدهون في الجسم في بداية التجربة ضمن نطاق محدد، إذ بلغت 6% -25%.
أكمل كل متقدم أيضًا اختبار مينيسوتا متعدد المراحل للشخصية (MMPI)، الذي نُشر عام 1943، ولا يزال قيد الاستخدام حتى اليوم، أُجري الاختبار في البداية كاختبار للمرشحين الأصليين، ولكن أُعيد اختباره أيضًا خلال التجربة لمعرفة مدى تأثير الجوع على الشخصية والمزاج والأفكار.
كانت التجربة على 4 مراحل:
المرحلة الأولى: مرحلة الاستقرار (12 اسبوعا):
في البداية تناول المشاركون 3200 سعرة يوميا لمدة 3 أشهر، كان الهدف من هذه الفترة هو تسجيل التفاصيل الدقيقة للحالة الصحية والنفسية للمشتركين، مثل الوزن، معدل الايض، نبضات القلب..ألخ
استمر المشاركين بحياتهم بشكل طبيعي، وقد شارك بعض المتطوعين في مساعدة كيز بتسجيل وجمع البيانات
قام المسؤولون عن التجربة بخفض سعرات المشتركين إلى 1560 سعرة حرارية لمحاكاة ظروف الحرب وقتها، كان يشمل في الغالب البطاطس واللفت واللفت السويدي والخبز الأسمر والمعكرونة
بعد انتهاء فترة التجويع، قسم كيز المشتركين بهذه المرحلة الى 4 مجموعات وقام بإضافة سعرات إضافية لأجل تعويض النقص الحاصل، حصلت كل مجموعة 400 أو 800 أو 1200 و1600 سعرة حرارية إضافية مقارنةً بفترة التجويع، ثم قُسِّموا إلى مجموعات أخرى، حيث حصل بعضهم على بروتينات وفيتامينات ومكملات معدنية مختلفة.
بعد أن لاحظ كيز إفراط المشتركين بالطعام ونوبات نهم متكررة خلال فترة إعادة التأهيل المقيدة، سمح ل12 مشتركا (3 من كل مجموعة) اخيرا بتناول ما يشاؤون من الطعام، تناولوا 4400-11500 سعرة حرارية (بمتوسط 5129 سعرة يوميا)
وعلّق بعض الرجال على شعورهم بالجوع الشديد بعد تناول وجبات كبيرة جدًا، رغم عدم قدرتهم على تناول المزيد من الطعام
يقول دانيال بيكوك، أحد المشاركين، حديثه عن هذا:
“في أواخر كل يوم جمعة، كانوا ينشرون قائمة بأسمائنا وحصصنا الغذائية للأسبوع التالي، مع السعرات الحرارية، سواءً بالزيادة أو النقصان، كان بعضنا يذهب لمشاهدة فيلم. بمعنى آخر، كنا نؤجل رؤية تلك القائمة؛ كنا نخشى رؤيتها خوفًا من أنها ستُقلل حصصنا الغذائية، من المؤكد أن هذا سيكون خبرًا سيئًا، لأننا من المفترض أن نتراجع”
تفاصيل مراحل التجربة:
تبدو التجربة متوقعة وطبيعية لكم، لكن هناك العديد من التفاصيل والنتائج المثيرة للاهتمام والتي حدثت خلال كل مرحلة منها، اقدمها لكم الآن:
(إدراج صورة بعد العنوان)
انخفض معدل النبض، كان متوسط معدل ضربات القلب 55 نبضة في الدقيقة. ثم انخفض إلى 35 نبضة في الدقيقة وكان أقل معدل 28 نبضة في الدقيقة.
تقلصت قلوب الرجال بنسبة 17٪ في المتوسط، وانخفض حجم دمهم بنسبة 10٪. عانى المشاركون من انخفاض ضغط الدم، ودوار متكرر عند الوقوف، ودوار، حتى أن بعضهم عانى من إغماءات مؤقتة
انخفضت معدلات الأيض الأساسية لديهم بشكل حاد وانخفضت بنسبة تصل إلى 50٪،
كانت لديهم حساسية متزايدة للبرد، ارتدى جميع الرجال ملابس ثقيلة وطبقات أكثر، كانت أيديهم وأقدامهم وبشرتهم عمومًا باردة كالثلج، وتحولت شفاههم وأظافرهم إلى اللون الأزرق، كان الاستحمام بماء دافئ من أبرز لحظات اليوم (ازدادت قدرتهم على تحمل الحرارة – على سبيل المثال، استطاع الرجال حمل أطباق ساخنة جدًا بأيديهم دون أي انزعاج) وإزداد استهلاكهم للشاي والقهوة، عندما وصل استهلاك بعض الرجال إلى 15 كوبًا يوميًا، كجزء من التجربة، حددوا حدًا أقصى للتسعة أكواب يوميًا.
عانى الرجال من انخفاض في عدد خلايا الدم الحمراء، وهي المسؤولة عن نقل الأكسجين إلى الجسم، كما أصيبوا بأنواع معينة من فقر الدم، كما انخفضت بعض خلايا الدم البيضاء بنسبة تصل إلى 30%.
أصيب الرجال بالوذمة، أو احتباس الماء، وخاصةً في الساقين والقدمين، وقد وصل هذا لدى البعض إلى درجةٍ أعاقت فقدان الوزن، واضطروا إلى حمل وسائد معهم حتى لا يشعروا بألم شديد عند الجلوس, وصَعُبَ عليهم التنبؤ بأوزانهم الحقيقية، وما يجب خفضه من حصصهم الغذائية.
حاول أحد المشتركين تدخين الغليون لفترة خلال التجربة ليرى إن كان ذلك سيساعده على تخفيف شعوره بالجوع. لا أعتقد أن ذلك نجح. تحدث عن تخفيف قهوته ثم إصابته بالوذمة. هذه صورة أخرى اتذكرها بوضوح. كانت كاحليه منتفختين تمامًا بسبب السوائل التي كان يحتفظ بها.
ارتفعت بعض أوزانهم لاحقًا، وربما كان معظمها ماءً زائدًا حملوه، لأنهم كانوا يشربون الكثير من الماء لإشباع بطونهم,و لم تكن هناك قيود على كمية الماء المسموح لهم بشربها
نما الشعر ببطء وتساقط بسرعة، تباطأت أظافرهم وتوقفت عن النمو، أصبحت بشرتهم مجعدة ورقيقة، وحدث تصلب في بصيلات الشعر (فرط التقرن الجريبي) وغطت قشعريرة دائمة أجزاء كبيرة من أجسامهم.
عانى الرجال من الإمساك ومشاكل هضمية، انتقلوا من الذهاب مرة واحدة على الأقل يوميًا خلال مرحلة المراقبة إلى الذهاب مرة أو مرتين أسبوعيًا خلال فترة التجويع.
كانت الجروح والكدمات بطيئة الالتئام، وكانت تقلصات العضلات وآلامها شائعة. وظهرت بقع داكنة حول عيونهم، وأصبح نومهم متقطعًا؛ فلم يتمكنوا من النوم طوال الليل.
أصبحت قرنية أعينهم بيضاء تمامًا، حتى أن الباحثين حاولوا تقليل الاحمرار، كانوا يستخدمون الصابون ويحاولون إحداث احمرار في عيون الرجال، لكن ذلك لم يحدث، لذا، فإن ما يمكن اعتباره عيونًا سليمة ونقية هو في الواقع علامة على الجوع.
من المثير للاهتمام أن الرجال تحسّنت لديهم حاسة السمع، افترض كيز أن هذا يعود إلى انخفاض إنتاج شمع الأذن وتضخم القناة السمعية نتيجة انكماش أنسجة الأذن، إلا أن هذا أدى أيضًا إلى طنين في آذان العديد من الرجال.
بدأت العديد من السلوكيات التعويضية بالظهور بسبب الجوع، كانوا يشربون الماء بشراهة سعياً للشبع، بعضهم لجأ إلى التدخين لسد جوعه، والبعض الآخر مضغ العلكة “كانوا يُدللون طعامهم كأطفال، أو يلمسونه وينظرون إليه كما لو كان قطعة من الذهب. كانوا يلعبون به كأطفال يصنعون فطائر الطين”
لاحظ جميع المشاركين ارتفاعًا في درجاتهم في توهم المرض والاكتئاب والهستيريا، كان هذا بدرجات متفاوتة، ولكنه كان شائعًا لدرجة أن هذه التغيرات الثلاثية وُصفت بـ”عصاب شبه الجوع”. اظهر 5 من أصل 32 من المشاركين أعراض تجاوزت نطاق العصاب وتفاقمت حالته السريرية بشكل ملحوظ خلال فترة التجويع و كان رد فعل اثنين منهم عنيفا بشكل خاص وأشبه بالذهان.
ازدادت حدة الانفعال لديهم، وضعف التركيز والحكم والفهم واتخاذ القرارات، وازدياد الجمود والتفكير الوسواسي، وانخفاض اليقظة، وفقدان حس الفكاهة، والشعور بالتقصير الاجتماعي، وإهمال النظافة الشخصية. أصبح الرجال مترددين في التخطيط للأنشطة، واتخاذ القرارات، والمشاركة في الأنشطة الجماعية. قضوا وقتًا أطول بمفردهم، وهذا ينطبق حتى على المنفتحين.
قلّ اهتمام الرجال بما يجري في الحرب، حتى عندما استسلم الألمان، لم يشر أحدٌ منهم إلى ذلك في يومياته ذلك اليوم، كان هذا على النقيض تمامًا مما كان عليه الحال عند بدء التجربة، إذ كانوا جميعًا يتابعون باهتمام بالغ ما يجري.
أصبح الالتزام بالحد من تناول الطعام أكثر صعوبة، خاصةً عندما يكون الرجال في المدينة أو في أماكن يتوفر فيها الطعام، ف تم تطبيق قانون الرفقاء (لا يغادر أحد المشاركين الا مع زميل له)
على حد تعبير جاسبر غارنر، أحد المشاركين: “قبل نظام الرفقاء، كنت في متجر دايتون بوسط المدينة، على وشك الدخول، كان له باب دوار، لم أستطع دفعه، فعلقتُ. اضطررتُ للانتظار حتى يأتي أحدهم”. وهذا دليل واضح على الخمول والضعف الذي شعر به الرجال
بعض الرجال لم يرغبوا برؤية الآخرين يأكلون، فتجنّبوا مشاهدتهم، لكن بعضهم استمتعوا بمشاهدة الآخرين يأكلون (وهذا ما نراه عند المصابين باضطرابات الطعام ايضا) بعضهم أفاد بأنه رأى في أحلامه أكل أطعمة ممنوعة، ثم استيقظ وهو يشعر بالذنب، كما كان هناك قلق حول هدر الطعام، وكان هناك أيضًا من حلم بأكل لحوم البشر.
كان كارل فريدريك واحدًا من بين العديد من الرجال الذين أدرجوا ضمن هذه الفئة، وقد أفاد بامتلاكه ما يقرب من 100 كتاب طبخ عند انتهاء التجربة يقول فريدريك:
“لا أعرف الكثير من الأشياء الأخرى في حياتي التي تطلعت إلى تجاوزها أكثر من هذه التجربة، ولم يكن ذلك بسبب الإزعاج الجسدي، بل لأنها جعلت الطعام أهم شيء في حياة المرء. أصبح الطعام هو الشيء الرئيسي والوحيد، حقًا، في حياة المرء. والحياة مملة جدًا إذا كان هذا هو الشيء الوحيد، أعني، إذا ذهبت إلى السينما، لم تكن مهتمًا بشكل خاص بمشاهد الحب، لكنك كنت تلاحظ كل مرة يأكلون فيها وما يأكلونه”
انخفضت اهتمام الرجال بالجنس، ومع مرور الوقت، تلاشت رغبتهم تمامًا، ولم يقتصر الأمر على الرغبة فحسب، بل أثر أيضًا على قدراتهم الإنجابية (لم تكن هناك إناث كجزء من التجربة، ولكن المعادل الأنثوي لذلك سيكون عدم التبويض، أو فترات لم يحدث فيها إباضة، أو انقطاع الطمث، حيث يتوقف الحيض تمامًا)
شعروا برغبة أقل في ممارسة الرياضة، فقضوا أطول وقت ممكن في الاستلقاء ومحاولة الحفاظ على دفء أجسامهم، تجنبوا صعود السلالم وبذل مجهود إضافي. صرّح أحدهم قائلاً: “كانت ممارسة الرياضة أصعب ما قمنا به”. وقال آخر، ماكس كامبلمان:
“كنا نبحث عن ممرات للسيارات عند عبور الشارع حتى لا نضطر لصعود درجة واحدة للوصول من الطريق إلى الرصيف، ولذلك كنا نسير في المزاريب لفترة، باحثين عن ممر للسيارات”
شعر آخرون بالغضب اذا رأوا شخصا يقوم بمهام شاقة أو يصعد السلالم.
انخفضت لياقتهم البدنية في اليوم الأخير بالتجربة بنسبة 72% حسب اختبار هارفارد للياقة البدنية.
“كافح معظم الرجال لمجرد المشي لمدة 20 دقيقة بسرعة 3.5 ميل في الساعة، وعندما زادوا إلى سرعة 7 أميال في الساعة، استمروا لبضع ثوانٍ قبل أن يسقطوا ويضطر بعض مساعدي كيز الذين كانوا يقفون على جانبي جهاز المشي إلى الإمساك بهم”
وهي تشبه بنسبة كبيرة أعراض اضطرابات الطعام، ولكني سأوضح أوجه الاختلاف في مقال جديد قريباً.
ولابد ان اذكر ايضا ان المشاركين الذين لم يخسروا الوزن المطلوب خلال فترة التجويع كان كيز يخفض سعراتهم اكثر من اجل تقليل أوزانهم، إذ كان اثنان من المشاركين، جيمس بلوجر وبوب ويلوبي، الأضخم حجمًا في التجربة، وكانا الأبطأ في فقدان الوزن، شكّ كيز في أنهما يغشّان. لأن وزنهما كان ينخفض باقل بكثير من المعدل المطلوب فقد كانا بعد أسبوعين يتناولان أقلّ سعرات حرارية من أي شخص آخر، وكانا يتناولان حوالي 1100-1200 سعر حراري بدلًا من المتوسط البالغ 1570 سعرًا حراريًا. عندما استمرّ وزنهما في الانخفاض بسرعة غير كافية لكلا الرجلين، انخفض استهلاكهما إلى أقل من 1000 سعر حراري يوميًا
استمرت هذه المرحلة إلى 12 أسبوعا قسم خلالها المشاركين إلى 4 مجموعات (وحصلت كل مجموعة على 400 أو 800 أو 1200 و1600 سعرة حرارية إضافية مقارنةً بفترة التجويع) وكان ذلك حسب نسبة خسارة كل مجموعة للوزن خلال فترة التجويع. كان يجب أن يبقى موضوع تفاوت السعرات هذال سريا لكن جميع الرجال شعروا أنهم في المجموعة الأقل بالسعرات.
احد اكثر النتائج المثيرة للاهتمام في هذه المرحلة أن العديد من الرجال استمروا في فقدان الوزن، بعد 5 اسابيع في هذه المرحلة لاحظ كيز أن التعافي بطيء جدا فقدم للمشاركين وجبة اغاثة بعدها قام بزيادة سعرات المجموعات ب 800 سعرة (فهذا يعني أن المجموعات الأربع تلقت ما يقارب 2760 أو 3160 أو 3560 أو 3960 سعرة حرارية)
مع هذا التغيير، بدأ الوزن يزداد، وكذلك المزاج. ومرة أخرى، ارتبط هذا بشكل متناسب بعدد السعرات الحرارية التي يتناولها الشخص.
في نهاية فترة التأهيل ارتفع وزن المتطوعين بنسبة 36،7% من ما فقدوه، و حتى المجموعات الاعلى بالسعرات ظل وزنهم اقل بنسبة 10% من وزنهم الابتدائي. مع كل هذا التحسن، بقيت حالتهم البدنية أقل مما كانت عليه قبل فترة التجويع، وبهذا انتهت فترة اعادة التأهيل لأغلب الرجال.
“يجب توفير ما يكفي من الطعام لإعادة بناء الأنسجة التي تضررت من الجوع. أظهرت تجاربنا أنه لا يمكن تحقيق إعادة تأهيل تُذكر لدى الرجل البالغ باتباع نظام غذائي يحتوي على 2000 سعر حراري يوميًا، أما المستوى المناسب فيبلغ حوالي 4000 سعر حراري يوميًا لعدة أشهر، كما أن طبيعة النظام الغذائي لإعادة التأهيل مهمة” – كيز
حوادث صادمة في هذه المرحلة:
عانى أحد المشاركين من اكتئاب حاد وانهيار نفسي في نهاية فترة التجويع، واستمر هذا حتى المراحل الأولى من إعادة التأهيل المقيّد، وبلغ هذا ذروته عندما قطع ثلاثة من أصابع يده اليسرى بفأس أثناء تقطيع الخشب، في الأسبوع الذي سبق ذلك، كادت سيارة أن تدهس يده، لكنه سحب يده في اللحظة الأخيرة، ولم يُصب سوى طرف إصبعه وقال:
“أعترف أنني كنت مخطئًا تمامًا في ذلك الوقت. لست مستعدًا للقول إنني فعلت ذلك عمدًا. لست مستعدًا للقول إنني لم أفعل”
وهذا يدل على أنه لم يكن في كامل وعيه وإدراكه خلال هذه المراحل (مثلما لدى المصابين باضطرابات الطعام)
استمر في هذه المرحلة 3 رجال من كل مجموعة (اي 12 رجلا) لدراسة التأثير طويل الأمد للتجربة، استمرت هذه المرحلة ل8 اسابيع وكانت السعرات غير مقيدة (لكنها كانت محسوبة بدقة). كانت سعراتهم في الأسبوع الأول من هذه المرحلة تتراوح بين 4400-11500 سعرة حرارية (بمتوسط 5129 سعرة يوميا). وعلّق بعض الرجال على شعورهم بالجوع الشديد بعد تناول وجبات كبيرة جدًا، رغم عدم قدرتهم على تناول المزيد من الطعام (الجوع النفسي). أثار قلق الخبراء استمرار سلوكيات النهم في الطعام خلال هذه المرحلة. يذكر أن أحد الرجال نُقل إلى المستشفى لتفريغ معدته، لأنه تناول الكثير من الطعام لدرجة أنه أصيب بانتفاخ في المعدة واضطر إلى دخول المستشفى. كما أفاد العديد من الرجال بتقيؤهم غير المقصود بسبب كثرة تناولهم الطعام (لم يستطيعوا أن يشبعوا شغفهم بالطعام مهما أكلوا).
بعدها توقف فريق البحث في حساب السعرات، كما أن الحالة الصحية والنفسية بدأت تتحسن للرجال مع زيادة تناول الطعام بشكل ملحوظ. وكان بعضه هذه التغيرات شبه فوري، خلال ثلاثة أيام، اكتسب أحد المشاركين 3 كغم تقريبا، وارتفع نبضه أثناء الراحة من 36 إلى 60، بينما تضاعف معدل الأيض الأساسي لدى آخر تقريبًا خلال ثلاثة أيام.
أحد النتائج المفاجئة للتجربة:
خسر الرجال وزنا خلال هذه التجربة يقدر 24% من وزنهم (قد يكون اقل او اكثر لبعض المشتركين). بمجرد بدء مرحلة اعادة التأهيل المقيد بدأوا باستعادة الوزن، لكن حدث شيء مثير للاهتمام، وهو ان نسبة الدهون المكتسبة كانت اكثر من العضلات والانسجة الاخرى (خصوصا حول البطن). كانت دهون البطن أعلى بنسبة 40% مما كانت عليه في أول التجربة. كما أن التغيرات في الوزن استمرت لوقت أطول من المتوقع.
استغرق معظمهم أكثر من 58 أسبوعًا للعودة إلى وزنهم الطبيعي. عانى سبعة رجال من مشاكل لمدة تتراوح بين 6 أشهر وسنة، وخمسة منهم لمدة عامين، وواحد لمدة 3 سنوات، وواحد منهم عانى من مشاكل حلت خلال 4 إلى 5 سنوات. وصف ثلاثة رجال مشاكل طفيفة تتعلق بتناول الطعام غير الطبيعي أو زيادة الوزن. عاد وزنهم وأنماط أكلهم إلى طبيعتها في غضون 6 أشهر. لم يستعد ثلاثة رجال وزنهم الطبيعي أبدًا
وقد وجدت هذه الدراسة أن من كانت نسبة دهون الجسم لديهم أقل في البداية كانوا يميلون إلى فقدان كميات أكبر من العضلات عن الدهون، بينما كان من لديهم نسبة دهون طبيعية أعلى يميلون إلى فقدان الدهون بنسبة أعلى.
شي اخر صادم ذكرته الأوراق البحثية، وهو أن كلما زاد فقدان الشخص من الدهون (وليس العضلات) انخفض معدل الأيض الأساسي للشخص، وكذلك عندما استعادوا نسبة الدهون عاد معدل الايض الى الارتفاع مرة أخرى.
ذكر العديد من الرجال شعورهم بفقدان السيطرة على تناول الطعام خلال فترة إعادة التأهيل المقيدة، صرّح أربعة رجال بأنهم شعروا برغبة في التحكم بطعامهم لفترة طويلة. وصف جاسبر غارنر، أحد المشاركين، الأمر بأنه “تجويف في المعدة يستمر لمدة عام ويحتاج إلى ملء”. أفاد 32% من الرجال بتعرضهم لنهم الطعام لفترة طويلة بعد التجربة (مع التحفظ على كلمة “نهم”).
أبدى سبعة رجال قلقهم من تراكم الدهون في البطن والأرداف، وأفاد خمسة منهم أنهم شعروا بالانزعاج من حجم الدهون التي شعروا بها أثناء مرحلة إعادة التأهيل أو بعدها.
اعترف العديد من الرجال بأنهم لسنوات طويلة كانوا يطاردهم خوفٌ من حرمانهم من الطعام مجددًا، وأشار عشرة منهم إلى أن الدراسة غيّرت تصوراتهم ووجهات نظرهم تجاه الطعام بشكل دائم.
جميعهم لم تُسجل لديهم أي آثار جانبية جسدية أو معرفية أو عاطفية طوال حياتهم، على الرغم من المعاناة التي تعرضوا لها أثناء التجربة. في نهاية المطاف، عاش جميع المشاركين حياةً مثمرة وممتعة، وتخرجوا من الجامعات. حصل ستة منهم على درجة الدكتوراه، وواحد على درجة الماجستير. وكان ستة منهم أساتذة جامعيون، وأربعة معلمين، واثنان منهم قساوسة، ومهندس معماري، ومحامٍ، ومهندس، وأخصائي اجتماعي. بل إن أحدهم نال أعلى وسام مدني، وهو وسام الحرية الرئاسي، تقديرًا لعقود من عمله السياسي. ورأى جميع الرجال الذين تمت مقابلتهم في إطار دراسات المتابعة أنهم عاشوا حياةً مفيدة وممتعة.
وبعد الحرب العالمية الثانية، تم وضع إعلان هلسنكي (1964) الذي يضع مبادئ صارمة لحماية المشاركين في التجارب الطبية وعدم تعرضهم لأي ضرر نفسي او جسدي دائم. ولذلك حرمت هذه الدراسة (والدراسات المشابهة لها) بعد ذلك. وعلى الرغم من ذلك تظل هذه الدراسة الفريدة مرجعا تاريخيا للبشرية لمعرفة اثار التجويع على جسد الإنسان ونفسه.
Seven health (real health radio podcast)
57-YEAR FOLLOW-UP INVESTIGATION AND REVIEW OF THE MINNESOTA STUDY ON HUMAN STARVATION AND ITS RELEVANCE TO EATING DISORDERS
The Starvation Experiment _Duke Psychiatry & Behavioral Sciences
Wikipedia – Minnesota Starvation Experiment
➡️ كان الهدف هو دراسة تأثير الحرمان الغذائي على الجسد والعقل ووضع استراتيجيات لإعادة التأهيل بعد المجاعة.
➡️ شارك 36 رجلًا أصحاء تتراوح أعمارهم بين 22 و33 عامًا.
➡️ انخفاض حاد في الوزن والأيض، ظهور أعراض جسدية ونفسية مشابهة لاضطرابات الأكل، وصعوبة في التعافي الكامل.
➡️ نعم، أظهرت نتائجها تشابهًا كبيرًا مع السلوكيات التي نراها لدى المصابين باضطرابات الأكل اليوم.
تم إعداد هذا المقال بواسطة سارة إبراهيم خصيصًا لموقع anaarwa.com، بهدف توثيق واحدة من أهم التجارب الطبية في التاريخ وربطها بالواقع
اترك تعليقا