حمل الكتاب الإلكتروني المجاني الخاص بك
قدم المقال السابق نقلاً مفصلاً لتجربة تجويع مينيسوتا ونتائجها، وهي التجربة التي تُعد مرجعاً طبياً وعلمياً في فهم آثار التجويع واضطرابات الطعام.
اليوم أود أيضاً أن أوضح كيف ترتبط نتائج هذه التجربة المثيرة للاهتمام بـ اضطرابات الطعام النفسية، وما الفرق بين التجويع القسري (الذي تم تطبيقه على المشاركين في الدراسة) والتجويع الذاتي (كما في حالات المصابين باضطرابات الطعام مثل الأنوركسيا والبوليميا).
أولاً يجب أن أؤكد أن اضطرابات الطعام هي أمراض نفسية-سلوكية في المقام الأول، حسب المراجع الطبية مثل دليل التصنيف DSM-5 الصادر عن الجمعية الأمريكية للطب النفسي.
هذا التصنيف مهم جداً عند النظر في موضوع مثل هذا، حيث يسلّط الضوء على الفروقات النفسية العميقة بين الأشخاص الذين يتعرضون للجوع القسري (كما في التجربة)، وبين من يمارسون التجويع على أنفسهم.
في حالة الجوع القسري، يظل لدى الإنسان دافع قوي للبحث عن الطعام بمجرد انتهاء فترة التجويع.
أما في اضطرابات الطعام، يحاول الشخص إقناع نفسه بشتى الطرق أنه لا يحتاج الطعام – وعندما ينجح في ذلك، يكون قد وصل إلى مرحلة الاضطراب الحقيقي.
بشكل فريد، غالبًا ما يظهر المصابون باضطرابات الطعام المقيّدة (مثل الأنوركسيا، البوليميا، وحتى الأورثوريكسيا) أعراضاً مشابهة تماماً لتلك التي ظهرت على المشاركين في تجربة مينيسوتا.
كما رأينا في التجربة، أصبح المشاركون مهووسين بالطعام، مشاهدة الناس وهم يأكلون، وحتى تصفّح مجلات الطبخ بنهم.
وهذا ما نلاحظه أيضًا لدى المصابين باضطرابات الأكل، حيث يسيطر التفكير بالطعام والسعرات والرياضة على حياتهم.
في الدراسة، ظهرت على المشتركين أعراض اكتئاب، قلق، عزلة، وحتى سلوك عدواني.
وهذه نفس الأعراض التي تظهر عند المصابين باضطرابات الأكل، الذين غالباً ما يعانون من صورة جسد مشوّهة، ويميلون للإصابة بالاكتئاب أو القلق.
من أبرز الأعراض التي ظهرت: ضعف في العضلات، تساقط الشعر، نقص الطاقة، فقر الدم.
نفس هذه الأعراض تظهر بشكل واضح عند المصابين باضطرابات الأكل المزمنة.
رغم التشابه في الأعراض، هناك فروقات كبيرة بين المشاركين في تجربة التجويع، وبين المصابين باضطرابات الطعام:
في تجربة مينيسوتا، كان التجويع قسرياً وبموافقة المشاركين لأغراض بحثية واضحة.
أما في اضطرابات الأكل، فإن التجويع نابع من الداخل، من مشاعر الخوف من الأكل أو الوزن أو من رغبة شديدة في السيطرة.
المشاركون كانوا مدركين أنهم في تجربة مؤقتة (استمرت حوالي سنة).
أما المصابين باضطرابات الأكل، فهم يعيشون في دوامة مستمرة من الحرمان والصراع والإنكار، قد تستمر لعدة سنوات دون توقف.
المشاركون تعافوا نسبياً بعد انتهاء التجربة، وبعضهم استمرت معه بعض الأعراض لفترات محدودة.
أما علاج اضطرابات الأكل فهو أكثر تعقيداً، ويحتاج إلى رعاية متعددة التخصصات تشمل أخصائيين نفسيين، تغذية، وربما أطباء باطنيين.
كما تقول الدكتورة سينثيا بوليك (Cynthia Bulik):
“أظهرت دراسة مينيسوتا آثار التجويع الحادة على التفكير والمزاج والسلوك، لكنها لا تُفسّر وحدها أسباب اضطرابات الأكل أو تعقيداتها البيولوجية والنفسية، فالعوامل الوراثية والتجارب العاطفية تلعب أدوارًا لا يمكن لتجربة واحدة أن تحيط بها.“
وبالفعل، رغم أن تجربة تجويع مينيسوتا كانت أول تجربة علمية ممنهجة توضح تأثير التجويع على الإنسان من الناحية النفسية والسلوكية والجسدية، إلا أنها لم تقدم الصورة الكاملة.
ففي اضطرابات الأكل، نحن بحاجة لفهم:
إذا كنتِ أو كنتَ تعاني من سلوكيات أكل مقيّدة أو هوس بالطعام أو الوزن، فاعلمي أنك لست وحدك.
الأبحاث مثل تجربة مينيسوتا تساعدنا في فهم آليات الجسم والنفس، لكنها أيضًا تؤكد أن الشفاء ممكن، لكنه يتطلب فهماً عميقاً وعلاجاً متخصصاً.
🎧 استمع لبودكاست “كفاية دايت” لمعرفة المزيد عن اضطرابات الأكل وأضرار التجويع/الدايت
📘 أو حمّل دليل “هل أنت مستعد لترك الدايت؟“ مجاناً
اترك تعليقا